الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

بين سماء بعيدة وأرض مُحَطِّمَة

-"قلت لك من قبل. لا تورطي نفسك في شيء لا تستطيعين الخروج منه"
صرخت بذلك في فأوقفت أفكاري عن الضجيج
لم أستطع فهم إيلين أبدًا..قدرتها تلك على رؤية الأمور ونتائجها
أوه، وعدم توريط نفسها أيضا
تعلم جيدًا الوقت المناسب لإخراج نفسها من أي فوضى قد تورطت فيها

-أعلم لينا جيدا وأعلم أيضا أنها أحبته إلى حد يتخطى تصورها
يمكنك تبين ذلك من عينيها.
أما هو فلا يبالي .لم يبال قط في الواقع
لا أعلم كيف أنزع تلك العصبة من على عينيها حتى ترى.

-إيلين مؤمنة تماما بأن الرؤية  ليست مشوشة فحسب لدي بل غير موجودة من الأصل
لكنها لا تعلم أني أفضل الوهم على الواقع
لا تعلم أني لا أريد أن أرى ما أعلم بوجوده
تحسبونني قد فقدت عقلي وأنا الوحيدة الذي أمتلكه


-نظرت في عينيه متسائلة ألم يفكر ولو مرة واحدة في الحديث ؟!
لم أنا التي تعتريني الأعاصير وتعصف بي الأفكار وهو هادئ ساكن كجبل في وسط المحيط.
كاثنين أحدهما يشد الحبل بأقصى قوته والآخر يقف هادئا يمنع انزلاقه من يده فحسب وربما يتركه ليرتمي الآخر في الوحل .
دائمًا أنا الطرف الفاعل لكل شيء..أبدأ كل شيء وحدي وأنهيه وحدي..وحدي تمامًا
أحيانًا أراني مثيرة للشفقة..
 لمتابعتي في أمر أعلم منتهاه جيدًا.
يا لحظها إيلين..يا لحظها!

-"لا أظن أن جعلها تدرك الفرق ما بين الواقع والخيال قد يساعدها..أختك مريضة برغبة منها ولا تريد أن ينقذها أحد.
هي تحب ذلك!"
قد نزل قوله علي كخنجر بارد قد اخترق ضلوعي ومزق ما تبقى من قلبي..ماذا أفعل لتلك الصغيرة التي تأبى إلا الوهم
قد اختلط الخيال بالواقع فتاهت ما بين سماء بعيدة وأرض محطمة!

-لا بد من الاعتراف لك أن الوضع يختلط علي بعض الشيء في بعض الأحيان.ليس من السهل أن تستيقظ من نومك فتطلب من أختك أن تقرصك حتى تتأكد أنها حقيقية تماما وأنك لا تخاطب وهما.
لا أخفي عليك أيضا أنك وعلى الرغم من قسمك الواهي في نظري لست محل ثقة لدي
لا أحد محل ثقة لدي
فكيف أثق بأشخاص لا أعلم أهم هنا أم في رأسي فقط !

-فقدان والدتك لم يكن أمرا سهلا. لم تستطع تخطي الأمر خصوصا أنها دائمًا ما تحل مشاكلها بالهرب، فلم تواجه نفسها بحقيقة الأمر
مما دفعها للبحث عن بديل.
كان ذاك البديل هو .فاختلقت علاقة وهمية بشخص من وحي الخيال وارتبطت به بشكل وثيق.
ربما الحل الوحيد أمامنا هو أن نجذبها من ذلك العالم الذي تستمر بغمر نفسها فيه
الأمر أشبه بدفن نفسها حية؛ أختك ليست بتامة الجنون لكن إذا استمرت في خلط الخيال بالواقع والتعمد بفعل ذلك ستفقد عقلها.



طهر قد تدنس

أول مرة وقعت عليها عيناي  كانت تقفز كطفل صغير في الرابعة من عمره تعلو وجهه ابتسامة لا تعلم مصدرها.
فتاة قد هبطت من عليين لتحيل سواد ما نعانيه إلى أبيض ناصع.
فتساعدنا على إنهاء رحلتنا بسلام على هذه الأرض.
تخونني الكلمات إذا وصفت بهائها، فليس لنقائها مثيل!
إلا أنها كمثل أي ماء صاف قد تكدرت..
ففقدت شيء من طهرها وتبنت أفكارًا غريبة ليست بمثلها.
كنت أقف مشلول الأيدي مأخوذٌ عقلي متسائل عما حدث حينما رأيتها
أين ذهبت تلك البهجة وما ذاك الحزن العميق؟!
لقد رفضَت ذلك الطفل الساكن بداخلها فرفضها على الفور.
مقتته  لمقت الناس له. وكأنه وصمة عار قد قرر الأغبياء هنا معايرتها به فقط لأن دواخلهم جدباء موحشة فقرروا أن يبيدوا دواخل الآخرين أيضًا.
آخر مرة رأيتها فيها كان السواد قد احتل مركزًا أسفل عينيها وأصبحت تميل إلى العزلة ،مرتسم على شفتيها شبح ابتسامة ممتعض
متسائل عما قد حدث لها !


متمسك بالحياة مفارق لها

-"كم هو مثير للشفقة كيف أن سحقك لحشرة بإصبعيك المجردين في منتهى السهولة..فقط بكل بساطة سلبتها حياتها فقط لمجرد خوفك منها أو تقززك من شكلها.
في حين أنه مثير للرعب إذا وضعت نفسك محل تلك الحشرة المسكينة وكانت هي المتحكمة في مصيرك النافرة من هيئتك المقززة."
تناولَت منديلًا حملت به تلك المسكينة المسحوقة على الطاولة وألقت بها في القمامة في حين تتابع سيل أفكارها في الطنين أمسكت يدها قائلة:
"لم أفهم قصد الطبيب حينما قال أنها لا تريد مساعدتهم!
أنى لمريض أن يساعد طبيبه من الأساس ؟!
ويدَّعون أنها هي من تريد للحياة أن تنفلت من بين أصابعها..هه!
هي!
أكثر شخص عرفته على وجه الأرض متمسك بالحياة!
تبًا لهم فحسب..تباً لهم"

-"لم أستطع أبداً فهم أولئك القوم المتغنين بأن المرء هو من في يديه أمر حياته.
وأنه عليه المقاومة والمحاربة لأجل الحياة.
 حتى و إن غُلِّقت الأبواب في وجهه فعليه أن يقاوم.
لا زال انبهاري صارخاً بأولئك الذين وقفوا في وجه المرض متحدِّين إياه وراغمين أنف الأطباء بتخطيهم ما قد حددوه لهم من أيام معدودة للحياة.
لم أقدر على فهم ذلك حتى الآن.. لا أظن أن العلاج حقا قد يأتي بفائدة إذا تخليت أنت عن حياتك.
الأمر بيدك أنت وحدك بعد الله.
أنت تعرف دائك وتعرف الدواء،كغارق في بركة وحل تجذبه لأسفل في حين أنه لا يصرخ طلبا للمساعدة بل يُخرِجَ نفسه بنفسه معطيا الآخرين أوامر بإلقاء الحبال إليه فحسب.
لم أكن أكثر زهدًا في الحياة كما كنت خلال الأسابيع القليلة الماضية. حتى أتت هي وجعلتني أرغب في آخر ذرة هواء قد تدخل رئتي
تمسُّكي بالحياة فحسب بعد الله أنقذني
منحني مالم يستطع طبيب واحد منحي إياه
فكيف يمكنك أن تُنقِذ هالكٍ فاقدَ الرغبة في الحياة !