الثلاثاء، 27 يناير 2015

أصوات داخلية

 تائهة طموحة، ترغب بكل شيء في الوقت ذاته، ناقدة ذات لسان سليط يُمَكِّنُها جيدا من جلد ذاتها قبل أي أحد.
 عادة ما يعثر المرء على ذاته في مرحلة ما من الحياة، يُمَجِّدُها، يتمسك بها ويدافع عنها .
إلا أنها وعلى الرغم لم تعثر لها على ذات بعد.
الاكتراث لأراء الناس المتعددة قد يُحيلك ببساطة إلى مجنون يضج عقله بمئة صوت وصوت وهي كانت مكترثة.
في ظل غياب التوجيه والتعليق وفي ظل انهيار الانتقادات من الألسن بالتتابع نشأت هي.
أن تمتلك ألف وجه ووجه، في كل مرحلة  تتقمص أحدهم لترى فيه العيوب فتنقضه وتتلبس آخر.
فتضيع من نفسك لتفتش عنك فلا تجدك.
فقط بضع أشياء من ناس هنا وهناك.
 جملة ما، ضحكة ما، رد ما.
وأين أنت من كل هذا؟
 لا تدري.
تعلمت الاكتراث منذ الصغر، افتقدت للثقة خشية الغرور فاستويت أنا والتراب.
أن تلجأ للآخرين علماً منك باهتزاز رؤيتك لهو أمر مزري
فلكلٍ عين ولكلٍ رأي
فلن يتساوى رأي بآخر ولا عين بسواها.
لتجدك مشتتا ًبين الآراء متناقضاً بين نفسك متقنعاً بأقنعة كثيرة لا أحد منها يشبهك.
تكبر وتكبر أرائك النقدية معك لتنقد ذاتك قبل الآخرين
فتعيش مهشما تبحث عما افتقدته لديك لديهم
فتتعالى أصواتهم بداخل رأسك كل مصارع الآخر ليثبت صحة نفسه.
تتصارع بداخلك الشخصيات لتعيش زائغ الأبصار بينهم تقف موقف المستمع فحسب.
في البدء كنت أحادث نفسي بصوت عالٍ
ثم تتطور الأمر لأجدني أسألها وأجيب..
ثم تطور أكثر لأجدني أتناقش معها وأبدي دهشتي مما لدي به علم مسبق
أشارفت على الجنون ؟
بالتأكيد
لو أن فقط رأسي تهدأ
لو أنهم فقط يصمتون 

الاثنين، 26 يناير 2015

صراع

                                                                  رهف (1)

السادسة بعد زوال الشمس وجدته كعادته ينتظر بعينين حانيتين تحملان عطف العالم أجمع. لم أجرب شيئا مما يتغنى العالم به عن الحب.. من لهيب واشتياق ووله، بل الأحرى لا أعرف عنه شيئا.
لا أعلم سوى شيئ واحد ألا وهو أنني أصبح سعيدة بقربه، كانعتاق الروح من جسد مُكبّل لتحلق في السماوات السبع بحرية، كألا تطأ قدماك الأرض وأنت واقف عليها.
شعورٌ حلوٌ لذيذ كحلوى الفراولة تستحيل عصيرا حلوا..ليس كما يقولون أو كما قال لك أحد من قبل.
                                                           

                                                                   يحيى (1)

باهت رصاصي بعد أن تلاشت ألواني ولم أبحث عنها. أصبحت كراهب سجين أضع قلبي خلف قضبان حديدية أهذبه وأؤدبه لأنه يومًا وعن طريق الخطأ تعلق بأحدهم مختصرا إياه ليكون مصدر سعادته الوحيد، إلا أنني لم أستطع منع نفسي عن مراقبتها عن كثب حين كانت تقفز فرحاً لوصولها مرسال من مكان بعيد.
ربما على مر سنواتي الخمسة والعشرون لم أر أحدًا مفعمًا بالحياة مثلها، لها القدرة على ملء المكان بعاصفير وفراشات ذات أجنحة ملوّنة فتضحك وتبتسم كأنها تراهم بالفعل. عيناها محراب هادئ مطمئن ترى روحها النقية من خلالهما لتجلس في حضرتها كطفل وديع أو كمن أتى للاعتراف بخطاياه.
كانت هي وهي فحسب من لها القدرة على تلويني بالبهجة كما كنت.
 يبدو أنه لا جدوى من تهذيب القلب وتأديبه فإن أراد التعثر فلا بد له من ذلك.

                                                                  رهف(2)

أن تكون فاقدا للوسطية في كل شيء، ملعونًا، فلا أنت بعاقل كالعقلاء ولا بمجنونٍ فاقدٍ لعقله. عندما تقرر إقحام أحد ما في حياتك فإنك تقحمه فيها بكل ما تحمله تفاصيلها من دقة مدركا جيدا أن هذا الذي أمامك لن يلبث إلا أن يلوذ بالفرار فليس لأحد القدرة على الاستيعاب دون الغرق أو الغرق دون مفارقة الحياة. فاقدةٌ للوسطية غير منطقية أنا..
وهكذا قررت أن أُقحمه في حياتي كما اقتحمت عليه حياته. من المربك في كثيرٍ من الأحيان تقابُل حياة شخصين لا علم لأحد منهما بحياة الآخر، كاختراقك لغرفةٍ ظلماء لا علم لك بجغرافيتها فتسير متخبطًا كالأعمى خائفًا من كسر شيء لا تتبين حتى من صحة وجوده.
وعلى الرغم من لطفه المفرِط إلا أنه يمتلك جانبًا آخر سخيف.. وما الحب إلا امتزاج روح بروح متقبل كل منهما عيوب الآخر.
كنت أخاف الاقتراب كالرهبة التي تتملَّكُك عند اقترابك من شيء خيالي تتلمسه لتُأكّد وجوده الماديّ ، أنه ليس مجرد هلوسة من اختلاق عقلك. كنت أستحثّ قدميّ على المضيّ قدمًا ففي كل خطوة أخطوها نحوه رغبة مني في رؤيته كنت أغرق في خوف خائف من أن يدفعني إلى الوراء.
حين ترفض فكرةً ما محاولا التخلص منها فإن عقلك لا ينفك عن الصراخ بها مذكرًا إياك بوجودها. حين تُقر بأمر ما في نفسك وتعترف به فإنها لا تكف عن التأمين على كلامك لتشعر بسيطرة الأمر عليك أكثر فأكثر فتخضع ذليلًا تحت رحمته. أن تعيش في صراع بين حب وخوف.. خوف من الاقتراب.. هرب من التعلق.. خوف من الرفض..غرق بذا الذي يقف أمامك وسعادة كلية لا جزئية معتمدة عليه.. متناقضات لا علاقة لأحدها بالآخر تغزو عقلك لتستوطنه وتنحل من روحك فتقف وحيدا تصارع، لا تدري أتصارع هذا الذي يمكث أمامك أم أنك في حقيقة الأمر تصارع نفسك وأوهام من نسج الخيال؟
 أغريق أنت به أم أنك فقط تتوهم وجود من لا وجود له؟
تتشبث بيد حانية وسط عزلة جوفاء، غير مرئية كنت ،وفجأة أصبحت أمام عينيه ظاهرة.
يحيى يُلهِمُني الكثير ولكن..ما أنا بالنسبة له؟! 
                                                                  يحيى (2)

كاسمها رهف.. أحيانًا أشعر أنني أتعامل مع صدفة زرقاء صافية رقيقة القشرة أكاد أن أضعها في صندوق زجاجي خشية الكسر.
تلك المليئة بالتفاصيل القادرة على ملء صحراء الربع الخالي بأكملها. أحب علاقتي بها لخفتها، فكل منا يرحل حينما يريد ويعود وقتما يشاء ، لكننا لا نرحل أبدا ولا نعود دائمًا. اقتحمت حياتي بشكل طاغٍ مؤخراً طالبة العون. لا يمكنني إنكار كونها حلما بعيد المنال، كشمس حارقة في حضرة الهواء البارد فلا يمكنك الاستغناء عنها فتتجمد بردا ولا يمكنك الاقتراب منها فتحترق.
أقف منها موقف الحائر، لا أدري أأتابع السير متقمصًا دور الأخِ الأكبر أم أدنيها مني ؟
                                                
                                                                (ماما أمينة)

أصبحت رهف تخيفني كثيرًا الأيام الماضية فما إن تُمسك الهاتف حتى تتغير تعابير وجهها لتحمل ألف انطباع وانطباع في الثانية الواحدة. سعيدة بدفء أصبحت، تقفز فرحًا ويغرّد صوتها ليملأ جنبات البيت الموحش.
بعد وفاة أبيها والتقائها ذاك الغريب الذي لا يزال يثير قلقي أصبحت هي الأخرى تثير رعبي. يعصف بي القلق والأفكار المزعجة تفتك بعقلي آلاف المرات.
لم أكف عن إخبارها بأن كلٍ راحل وأن كلٍ زائف إلا أنها تأبى إلا التمسك برأيها مُخبرةً إياي بمدى وعيها وثقافتها..آه يا ابنتي فما يثير خوفي إلا وعيك وثقافتك في مجتمعٍ أعور لا يرى إلا جنبًا واحداً. ليتك هنا يا رؤوف لربما استطعت حمايتها مما لا أعرف عنه شيئاً.
أعلم جيداً أن تجاربنا ليست سواء، وأن كلٍ عليه أن يخوضها وحده ليرى بنفسه، فلم يكتب علينا القدر أن تكون نتائجها واحدة، ناهيك عن ضعف موقفي أمام فتاة قد تمردت على كل شيء حتى على نفسها..كيف لي أن أقف في وجه فتاة تشبهك يا رؤوف؟!

                                                                 -------------

علت أصواتي متصارعة، عقل يتمطنق وقلب غارق وأفكار ناهشة لا رحمة لديها، حتى شارفت على الجنون.
مدركة جيدا لما سوف تأخذه الأمور من مجرى تركتها تسير كما هي لأتعلق وأهوى وأغرق إلا أن الشيء الوحيد الذي لم أدركه كوني مرئية بالفعل بالنسبة له، أنا الذي ظننتي شفافة غير مرئية.
وها قد مر ثلاثون عامًا بعد أن اتخذت القرار بترك الأمور لتأخذ مجراها، لم أصدق حين جاء إلى والدتي طالبا منها المباركة على زواجنا.. بل لم أصدق نفسي حين رأيتني بفستان الزفاف. 
أكثر من ثلاثون عاما مضت ولا زال هو يحيى ذاك العطوف ولا أزال أنا رهف   




السبت، 10 يناير 2015

4

وحين يُلملم شتات قلبك تشعر بما يشبه الطيران 
فكأنك محلق في السماء لم تطأ قدميك الأرض بعد 
إحساس لذيذ بالنشوة تتمنى أن تدوم أبدا

3

"صغير حائر قد ضل عن أمه فوقف في مقتطع طرق لا يدري إلى أيهم يلجأ
ينهمر في البكاء ولم يزل يبك حتى امتدت إليه يد حانية تربت على كتفه معطية إليه بضع قطع الحلوى 
أهو سارق أم خاطف أو صديق أم عدو أهو هاد أم مضل 
تسارعت الأفكار إلى عقله الصغير حتى كاد أن ينفجر 
يتذكر الوصايا والتهديدات "لا تذهب مع الغرباء" "لا تتحدث إلى أي شخص كان"
تتشتت روحه بين كل تلك الخزعبلات فلا يدري ماذا يفعل.."
توقف القلم عن الكتابة وبدأت الأفكار في الضجيج 
لا أدري إلى متى سأظل عالق في بدايات لا نهاية لها 
تتصارع الأفكار لأخرجها لتكف عن الطنين وأظل أنا عالق في المنتصف فلا قدرة لي على العودة ولا على المضي قدما 
أشاروا عليّ بزيارة طبيب بعد أن أصبحت منهمكا في اللاشيء منهكا من كل شيء 
مشرد الذهن هائم لا علم لي بما حولي 
ولكنني دائما أجيبهم بجملة واحدة 
"وهل يقدر الطبيب على إيقاف الطنين؟!"

2

كغريق يتشبث بقطعة قش قد تشبثت بيده وصراعات تدور في العقل 
فلا يجوز لغارق قد ألقي به التعلق بمن جاء لينقذه 
فلا تتحمل الروح سرقات أخرى ولا  القلب أعباءًا جديدة 
تُفقد قطعة من روحك مع كل راحل بعيد قد اختار الرحيل بنفسه أو فُرض عليه الرحيل 
تُسرق قطعة من قلبك مع كل قريب من القلب بعيد في المسافات 
لتصير مشتت الروح والقلب 
فابن أحصنة منيعة وضع الحراس المجندين خارج أسوارك 
فلا يفتح الباب إلا لنقي الروح ابيض الغرة

1

تتكابل عليك الأيدي لتوقعك أرضا
لا تكاد تُزل إحداها حتى تقيدك الأخرى
نكبات متوالية كمن تعصف بقلبه الريح فيشارف على الجنون
قد احتشدت الكلمات في الحلق وتواعدت على البقاء فلا أنت بمخرج لها ولا هي براحلة عنك
يعجز قلمك عن الصراخ تتفقد صوتك فإذا به قد اختفى
مكبل الأيدي معقود اللسان أنت
تبحث عن روحك فتجدها مهشمة قد تعرّت لمئة أو يزيدون فما بقي منها مختبئ داخل الأعماق وما رحل عنك قد سرق من قبل الظلام
فلا أنت بواجد لها ولا هي بعائدة إليك
سلام على من قد تلاشت روحه مئة قطعة في الهواء ولم يجد من يلملمه